مُمَيَّز

أحجار الإبحار : لغز الصحراء وادي الموت..

أحجار الإبحار..

في قلب صحراء وادي الموت القاحلة في كاليفورنيا، وتحديدًا في شاطئ ريستراك بلايا الجاف، تقع واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية غموضًا وإثارة للدهشة على كوكب الأرض : أحجار الإبحار. تخيل صخورًا ضخمة، بعضها يزن مئات الأرطال، تتحرك من تلقاء نفسها عبر أرضية الصحراء الطينية، تاركةً وراءها آثارًا طويلة وواضحة على السطح، وكأنها أبحرت دون يد بشرية أو حيوانية توجهها.

أحجار الإبحار لغز الصحراء الذي يتحرك وحده في وادي الموت
أحجار الإبحار
هذا اللغز الطبيعي حير العلماء والباحثين لعقود، وأثار خيال كل من سمع به.

اكتشاف الظاهرة وتحدي التفسيرات الأولية..

على الرغم من أن السكان المحليين كانوا يعرفون هذه الظاهرة منذ فترة طويلة، إلا أن الاهتمام العلمي بأحجار الإبحار بدأ يزداد في أوائل القرن العشرين. كانت الصور الفوتوغرافية التي تظهر الصخور وهي تتحرك، مع مساراتها الطويلة والمتعرجة خلفها، بمثابة دليل لا يمكن إنكاره على هذه الحركة الغريبة. 

التفسيرات الأولية كانت تتراوح بين الظواهر الخارقة للطبيعة، والقوى المغناطيسية، وحتى الأنشطة السرية. لكن العلم كان يبحث عن إجابات أكثر منطقية.

كان التحدي يكمن في مراقبة هذه الأحجار أثناء حركتها. الحركة ليست دائمة؛ بل تحدث على فترات متباعدة، وقد تمضي سنوات دون أن تتحرك الصخور بشكل ملحوظ. هذا جعل دراستها صعبة للغاية، وأضاف طبقة أخرى من الغموض إلى الظاهرة.

نظريات علمية : الجليد والرياح والطين..

بعد سنوات طويلة من المراقبة والبحث، بدأت النظريات العلمية تتجمع حول تفسير هذه الظاهرة الفريدة. النظريات الأكثر قبولًا اليوم تشير إلى أن مزيجًا معقدًا من الظروف الجوية والطبيعية هو المسؤول عن حركة أحجار الإبحار.
  1. المياه والجليد : في فصول الشتاء النادرة والرطبة، تمتلئ أرضية الشاطئ الطينية بالمياه وتتحول إلى بحيرة ضحلة. عندما تنخفض درجات الحرارة ليلًا، تتجمد هذه المياه لتشكل طبقة رقيقة من الجليد على السطح.
  2. ألواح الجليد : هذه الطبقة الجليدية ليست متصلة تمامًا ببعضها البعض، بل تتشكل كألواح كبيرة تطفو على سطح الماء المتبقي تحتها.
  3. الرياح القوية : عندما تهب رياح قوية عبر الوادي، تدفع هذه الرياح ألواح الجليد. ومع تحرك ألواح الجليد، فإنها تدفع معها الصخور التي تجمدت في هذه الألواح أو التي تقع على طريقها.
  4. الطين اللزج : أرضية الشاطئ الطينية المبللة تصبح زلقة للغاية عندما تكون مغطاة بالجليد والماء، مما يقلل الاحتكاك ويسمح للصخور بالانزلاق بسهولة نسبيًا.
في عام 2014، تمكن فريق من الباحثين من توثيق حركة هذه الأحجار لأول مرة باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وكاميرات التصوير المتسارع. أظهرت النتائج أن الصخور تتحرك بالفعل عندما تتوفر هذه الظروف، وبسرعات قد تصل إلى بضعة أمتار في الدقيقة.

لماذا تختلف مسارات أحجار الإبحار؟..

من الملاحظ أن مسارات أحجار الإبحار تختلف بشكل كبير. بعضها يتحرك في خطوط مستقيمة، بينما يتخذ البعض الآخر مسارات متعرجة أو منحنية. يعتمد هذا على حجم وشكل الصخرة، وحجم لوح الجليد الذي يدفعه، واتجاه وقوة الرياح.

حتى بعد الكشف عن الآلية العلمية وراء هذه الظاهرة، فإنها لا تزال تحتفظ بسحرها وغرابتها. إنها تذكير بقوة الطبيعة الخفية وقدرتها على خلق مشاهد لا تُصدق.

تمامًا كما حيرت أحجار الإبحار في وادي الموت العلماء والفضوليين لقرون، فإن 👈 اختفاء طاقم ماري سيليست في المحيط الأطلسي يظل لغزًا بحريًا لا يقل إثارة وغموضًا. 

في كلتا الحالتين، نحن أمام ظواهر تتجاوز التفسيرات البديهية. ففي أحجار الإبحار، نرى جمادًا يتحرك دون تدخل مباشر، تاركًا علامات استفهام حول القوى الخفية التي تحركه. 

أما في "ماري سيليست"، فإننا أمام سفينة سليمة، لكنها خالية من طاقمها، كأنهم تبخروا في الهواء. كلا اللغزين يضعاننا وجهًا لوجه مع المجهول؛ أحدهما يمثل حركة صامتة وغامضة في قلب الصحراء، والآخر يمثل صمتًا مدويًا في عرض البحر، ليثبتا أن عالمنا مليء بالظواهر التي تتحدى فهمنا وتجبرنا على إعادة التفكير في حدود ما نعرفه.

تظل أحجار الإبحار لغز الصحراء الذي يتحرك وحده في وادي الموت. شهادة مذهلة على قوة الطبيعة وغموضها. على الرغم من أننا قد بدأنا نفهم الآلية العلمية وراء حركتها، إلا أن المشهد الفريد للصخور وهي "تبحر" عبر الصحراء سيظل مصدر إلهام وإعجاب. إنها تذكرنا بأن حتى في الأماكن الأكثر قسوة وجفافًا، يمكن للطبيعة أن تخبئ أسرارًا مدهشة تنتظر من يكتشفها.

 مصادر 
أحجار ثقيلة تتحرك من تلقاء نفسها لغز بيئي أمام  - الإمارات اليوم
أحجار الإبحار الصخور المتحركة الغامضة في وادي الموت - بوابة أخبار اليوم الإلكترونية
الكاشف
الكاشف
أنا كاشف الأسرار، رفيقك في رحلة استكشاف أغوار التاريخ، الأساطير، والأحداث التي حيرت البشرية على مر العصور. في "عوالم خفية"، نغوص سوياً في قصص شخصيات محاطة بالسرية، حكايات قديمة لم تُروَ بعد بالكامل، ونفكك ألغازاً ظلت حبيسة صفحات الزمن. كل مقال هنا هو دعوة لكشف النقاب عن المجهول، وفهم ما يختبئ وراء الستار. انضم إليّ، ودعنا نضيء معاً تلك العوالم الخفية التي تنتظر من يكتشفها.
تعليقات



    "