السعلاة..
في صحاري شبه الجزيرة العربية المترامية الأطراف، حيث يتلاشى الأفق في رمال لا نهاية لها وتتوهج النجوم كعيون ساهرة في سماء الليل، تكمن أسطورة أكثر رعبًا وإثارة للفضول من أي كائن آخر : السعلاة. هذا المخلوق الأسطوري، الذي يوصف غالبًا بأنه أنثى الغول، يظهر للمسافرين الضائعين بأشكال متعددة، من امرأة فاتنة الجمال تغويهم، إلى وحش قبيح لا يرحم يلتهم ضحاياه.
![]() |
السعلاة |
تعود قصص السعلاة إلى آلاف السنين، تتناقلها الأجيال في الأرياف والبوادي، محذرة من غواية الصحراء وأخطارها المجهولة. هل هي فاتنة الصحراء ووحش الليل في الفولكلور العربي؟ هل هي مجرد حكايات تُروى لتخويف الأطفال؟ أم أنها حقيقة خفية تتربص في عتمة الليل، تنتظر الفريسة التالية؟
أشكال متعددة : من الفتنة إلى الرعب المطلق..
تعتبر السعلاة من أكثر الكائنات تنوعًا في الفولكلور العربي، وهذا ما يزيد من غموضها ورعبها. فهي ليست مجرد وحش واحد، بل تتخذ أشكالًا متعددة لكي تضلل ضحاياها :
- الفاتنة المغوية : غالبًا ما تظهر السعلاة على هيئة امرأة حسناء ذات شعر طويل، تجلس وحيدة في الصحراء أو بالقرب من ينابيع الماء. تستخدم جمالها وصوتها الرخيم لإغواء الرجال والمسافرين، وتدعوهم للمبيت معها أو اتباعها إلى مخبئها. ولكن ما إن ينقاد لها الضحية، حتى تكشف عن وجهها الحقيقي المخيف وأنيابها الحادة.
- الوحش القبيح : في أشكال أخرى، تظهر السعلاة ككائن مشوه وقبيح المظهر، ذي ملامح حيوانية، وأحيانًا أرجل حمار أو ذئب. في هذا الشكل، تعتمد على قوتها الجسدية ووحشيتها لمهاجمة ضحاياها.
- المخادعة الماكرة : تتميز السعلاة بذكائها ومكرها. يُقال إنها قادرة على تقليد أصوات البشر أو الحيوانات، وحتى تتحدث بطلاقة لجذب انتباه ضحاياها. تتميز بسرعتها الفائقة وقدرتها على الاختفاء والظهور فجأة، مما يجعل الهروب منها مهمة شبه مستحيلة.
من الصحراء إلى المدن: أين تتربص السعلاة؟..
على الرغم من أن موطن السعلاة الأصلي يُعتقد أنه الصحاري القاحلة والمناطق المهجورة، إلا أن قصصها تروى في القرى والمدن على حد سواء.
يُقال إنها تظهر في الطرقات المظلمة، أو في المناطق النائية على أطراف العمران، حيث يمكنها أن تفاجئ ضحاياها في غفلة. كثير من هذه القصص تتضمن تفاصيل عن محاولات المسافرين الشجعان لمواجهتها أو الهروب منها، مما يضفي عليها طابعًا بطوليًا، ولكنه لا يخلو من الرعب.
هذه القصص لم تقتصر على شبه الجزيرة العربية، بل امتدت إلى أجزاء أخرى من العالم العربي، بما في ذلك المغرب، حيث تُعرف بأسماء مختلفة ولكن بنفس الخصائص المخيفة.
في الفولكلور المغربي، هناك شخصيات مشابهة مثل "عيشة قنديشة" التي تغوي الرجال على ضفاف الأنهار، مما يظهر مدى انتشار فكرة المخلوقات الغامضة التي تجسد الخطر الأنثوي المغوي.
تفسيرات محيرة : هل السعلاة حقيقة أم خيال؟..
مثل أي أسطورة قديمة، هناك عدة تفسيرات لظاهرة السعلاة. بعض الباحثين يعتقدون أن السعلاة قد تكون مستوحاة من مشاهدات لحيوانات مفترسة حقيقية، مثل الضباع أو الذئاب، التي تظهر في الليل وتصدر أصواتًا مخيفة. الخوف من هذه الحيوانات، بالإضافة إلى العزلة في الصحراء، قد يدفع الناس إلى المبالغة في وصفها وتحويلها إلى كائن أسطوري.
تفسير آخر يشير إلى أن السعلاة قد تكون رمزًا للخطر الكامن في الصحراء، أو تحذيرًا من الانجراف وراء الشهوات والأهواء. فالمرأة الجميلة التي تتحول إلى وحش قد تكون استعارة لمغريات الحياة التي تؤدي إلى الهلاك.
وكما هو الحال مع 👈 شيطان جيرسي الذي يطارد غابات الجنوب بأمريكا، فإن السعلاة تمثل الخوف من المجهول الذي يكمن في البيئة المحيطة، سواء كانت غابات كثيفة أو صحاري شاسعة.
فبينما يرهب "الكابوس المجنح" سكان نيو جيرسي بصرخاته وأجنحته، تغوي السعلاة ضحاياها بجمالها الزائف في قلب الصحراء، وكلاهما يذكرنا بأن الأساطير تتشكل من مخاوفنا الأعمق من الكائنات التي تتجاوز فهمنا وتتربص بنا في الظلام.
على الرغم من التطور وتقدم المدنية، لا تزال أسطورة السعلاة حية في المخيلة الشعبية العربية. تُروى القصص عنها في الليالي المظلمة، وتنتشر الحكايات في المجالس، محذرة الأجيال الجديدة من الوقوع في فخها.
سواء كانت تجسيدًا للخوف من المجهول، أو تحذيرًا من الغواية، فإن السعلاة تظل تثير فضولنا وتذكرنا بأن عالمنا مليء بالأسرار التي لم تُكتشف بعد. وفي كل مرة يضيع فيها مسافر في الصحراء، أو تتردد فيها ضحكة غريبة في الليل، يتجدد السؤال: هل السعلاة حقيقية، أم أنها مجرد همسة من الماضي؟
مصادر
السعلاة أسطورة خرافية لا وجود لها الا في صور النساء - موقع أخبار الدنيا
wikipedia - Sila (mythology)
رأيك يهمنا, شارك في إرتقاء الموقع...