الماسونية اليوم..
بعد أن تناولنا في المقال السابق الجدل التاريخي حول 👈 علاقة الماسونية بالأديان، وما أثير حولها من اتهامات بالتعارض مع المعتقدات الدينية، ننتقل اليوم للحديث عن واقع الماسونية اليوم كمنظمة أخوية، ونشاطها المعاصر الذي يُركز على التنمية الشخصية والعمل الخيري، بعيدًا عن نظريات المؤامرة التي غالبًا ما تحيط بها.
![]() |
الماسونية اليوم |
من البنائين إلى الأخوة العالمية..
تُعرف الماسونية اليوم بأنها منظمة أخوية عالمية، لا دين أو سياسة لها، بل تركز على القيم الأخلاقية والإنسانية. تطورت من نقابات بناة الكاتدرائيات الحرفيين في العصور الوسطى، ومن هنا جاء اسمها البنائون الأحرار. اليوم، لم تعد العضوية مقتصرة على البنائين، بل مفتوحة للرجال من مختلف المهن والخلفيات الذين يؤمنون بوجود خالق أسمى.
تتمحور فكرة الماسونية الحديثة حول بناء الإنسان، أي العمل على تطوير شخصية الفرد ليكون عضواً أفضل في مجتمعه. ويتم ذلك من خلال سلسلة من الطقوس والرموز التي تُعرف بـالدرجات، حيث يتعلم العضو المبادئ الأساسية للمنظمة مثل الأخوة، والصدق، والنزاهة، والعمل الخيري.
كيف تعمل الماسونية اليوم؟ المحافل والطقوس..
تعمل الماسونية من خلال تجمعات محلية تسمى "المحافل" أو "اللوج"، والتي تُعد الوحدة الأساسية للتنظيم الماسوني. يجتمع أعضاء المحفل بانتظام لإجراء طقوسهم، التي تشمل مراسم الانضمام والترقية في الدرجات. هذه الطقوس غامضة بالنسبة للعامة، ولكن الماسونيين يؤكدون أنها مجرد وسيلة لنقل قيم المنظمة بشكل رمزي.
تُدار المحافل بشكل ديمقراطي، حيث يتم انتخاب المسؤولين بشكل دوري. وتلتزم المحافل بقواعد صارمة تمنع النقاش في الدين والسياسة داخل اجتماعاتها، وذلك لضمان بيئة من الاحترام المتبادل بين الأعضاء الذين قد يختلفون في عقائدهم أو انتماءاتهم السياسية.
الدور الاجتماعي والخيري : بعيدًا عن الأسرار..
على الرغم من الصورة السرية التي تُعرف بها، تلعب الماسونية اليوم دورًا اجتماعيًا وخيريًا بارزًا في كثير من الدول. فالمحافل الماسونية في جميع أنحاء العالم تقوم بجمع التبرعات وتنظيم فعاليات لدعم القضايا الخيرية المختلفة. وتشير بعض التقديرات إلى أن المحافل الماسونية تساهم بملايين الدولارات سنويًا في مجالات مثل:
- التعليم : تقديم منح دراسية للطلاب المحتاجين.
- الصحة : دعم الأبحاث الطبية وتمويل المستشفيات.
- الإغاثة : تقديم المساعدة للمتضررين من الكوارث الطبيعية.
- المجتمع : دعم الجمعيات المحلية والمشاريع الخيرية في المدن والقرى.
يُعد العمل الخيري من الركائز الأساسية للماسونية الحديثة، وهو ما يميزها عن الصورة النمطية التي تُظهرها كمنظمة تهدف للسيطرة على العالم. الماسونيون يرون أن واجبهم هو مساعدة الآخرين، وأن هذه الأعمال هي انعكاس حقيقي لمبادئهم الأخلاقية.
المجتمع الحديث: الاندماج أم الانعزال؟..
تختلف نظرة المجتمعات للماسونية بشكل كبير. في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا، تُعتبر الماسونية منظمة اجتماعية مرموقة، ويُعلن أعضاؤها عن انتمائهم لها بشكل علني. ويشارك كثير من الشخصيات العامة، من رؤساء وسياسيين وفنانين، في أنشطتها الخيرية.
وعلى النقيض، في بعض الدول العربية والإسلامية، لا تزال الماسونية محاطة بالشكوك وتُعتبر حركة سرية مرتبطة بأجندات سياسية ودينية. هذا الاختلاف يعود جزئيًا إلى التفسيرات التاريخية والدينية، والتي غالبًا ما تربطها بأهداف سرية وهدامة.
لكن الماسونية الحديثة تسعى لتصحيح هذه المفاهيم، مؤكدة على أنها لا تتعارض مع أي دين أو نظام سياسي، بل تهدف إلى تعزيز القيم الإنسانية المشتركة. وقد أصبحت أكثر انفتاحًا من أي وقت مضى، حيث تنشر معلومات عن أنشطتها ومبادئها على الإنترنت لتوضيح حقيقتها.
إن فهم الماسونية اليوم ما هو دورها في المجتمع الحديث؟ يتطلب تجاوز الأساطير ونظريات المؤامرة والنظر إلى دورها الحقيقي كمنظمة أخوية، تركز على العمل الخيري وتطوير الفرد والمجتمع. هي ليست حكومة سرية أو قوة خفية، بل هي ببساطة جمعية من الرجال الذين يسعون ليكونوا أفضل، ويؤمنون بأن بناء المجتمع يبدأ ببناء الإنسان.
مصادر
Does Freemasonry still exist today? - Britannica
رأيك يهمنا, شارك في إرتقاء الموقع...