مُمَيَّز

عمارة رشدي : لغزٌ يهمس في الإسكندرية..

عمارة رشدي..

في مدينة الإسكندرية الساحرة، حيث يمتزج عبق التاريخ بنسيم البحر الأبيض المتوسط، تقع منطقة رشدي التي تحتضن بين طياتها لغزاً معمارياً يثير فضول السكان والمؤرخين على حد سواء : عمارة رشدي. هذا المبنى الذي شُيّد في ستينيات القرن الماضي، لم يكن مجرد صرحٍ سكنيٍّ عادي، بل تحوّل بمرور الزمن إلى أيقونةٍ للأساطير الشعبية والروايات الغامضة التي لا تزال تُشكل جزءاً من النسيج الاجتماعي للمدينة.

عمارة رشدي لغزٌ يهمس في قلب عروس المتوسط
عمارة رشدي

بدايةٌ عادية... ونهايةٌ غامضة..

عندما ارتفعت جدران عمارة رشدي لأول مرة، لم تكن تحمل في طياتها أي إشارة إلى المصير الغريب الذي ينتظرها. تصميمها المعماري كان يتماشى مع الطراز السائد في تلك الحقبة، يبعث على الهدوء والسكينة. 

لكن هذا الهدوء لم يدم طويلاً. فسرعان ما بدأت تتسرب القصص وتتشابك الروايات، محوّلةً المبنى إلى نقطة محورية للرعب والإثارة في الذاكرة الجمعية للإسكندرية. لم يمر وقت طويل حتى اكتسبت العمارة سمعة كونها "مسكونة"، وعبارة "عمارة رشدي" أصبحت تُثير قشعريرة في نفوس الكثيرين.

أساطيرٌ عمارة رشدي تنبض بالحياة..

تتعدد الروايات المحلية حول سبب هذه الظواهر الخارقة. يُقال إن كل من حاول السكن في عمارة رشدي واجه مصيراً غامضاً، حيث يفرون منها بعد فترة قصيرة من الإقامة، تاركين وراءهم شققاً فارغة وأسئلة بلا إجابات. 

البعض يتحدث عن سماع أصوات غريبة تنبعث من الجدران في منتصف الليل، أصوات همسات أو صرير أثاث يتحرك في غرف خالية، أو حتى أصوات أطفال يلهون. والبعض الآخر يدّعي مشاهدة أشباح أو أطياف شفافة تظهر وتختفي فجأة في الممرات أو خلف النوافذ، ما يُثير الرعب في قلوب من يراها.

تُقدم هذه الروايات تفسيرات مختلفة للظواهر. فبعض السكان المحليين يعتقدون أن العمارة بُنيت على أرضٍ كانت في السابق مقبرةً قديمة، وأن أرواح الأموات لا تزال تحوم حول المكان، رافضةً السلام. 

وهناك رواية أخرى أكثر قتامة، تُشير إلى أن العمارة شهدت جريمة قتل وحشية في ماضيها، وأن اللعنة الناتجة عن هذه الجريمة لا تزال تلتصق بجدران المبنى، مُحوّلةً إياه إلى مأوى للأرواح المعذبة. هذه التفسيرات، سواء كانت حقيقية أم من نسج الخيال، تُضيف طبقة عميقة من الغموض والرعب إلى عمارة رشدي.

محاولاتٌ فاشلة وترميمٌ جديد..

على مر السنين، جرت محاولات عديدة لكسر هذه اللعنة المزعومة. فقد حاول أصحاب الشقق بيعها أو تأجيرها، لكن النتيجة كانت دائماً واحدة: المستأجرون الجدد لا يطيلون الإقامة، بل يفرون بعد فترة قصيرة، حاملين معهم قصصاً جديدةً عن أحداث غريبة وعنيفة. 

هذه الظاهرة لم تقتصر على المستأجرين فقط، بل امتدت لتشمل من يزورون العمارة أو يحاولون الاقتراب منها، حيث يشعرون بهالة من الثقل أو الخوف غير المبرر.

وعلى الرغم من هذه السمعة، فقد خضعت العمارة مؤخراً لعملية ترميمٍ شاملة، في محاولةٍ لإعادة الحياة إليها وطمس آثار الماضي المزعج. 

ومع هذه الترميمات، تضاءل الاهتمام الإعلامي الذي كانت تحظى به العمارة في السابق. لكن بالنسبة لسكان الإسكندرية، فإن لغز عمارة رشدي يظل حياً، مُتجذراً في الذاكرة الشعبية، شاهداً على قوة الخيال وقدرته على تشكيل الواقع.

تُقدم عمارة رشدي بالإسكندرية حالةً مشابهةً، وإن كانت بسياقٍ مختلف، لما نراه في 👈 فندق ستانلي بكولورادو. فكلا المبنيين يحملان سمعة كونهما "مسكونين" بالظواهر الخارقة، وقد ارتبطت بهما رواياتٌ وأساطير شعبية تُضفي عليهما طابعاً غامضاً. 

لكن الاختلاف يكمن في طريقة التعامل مع هذا الغموض. ففي حين أن فندق ستانلي قد استغل سمعته هذه كعنصر جذب سياحي، بل وأصبح أيقونةً للثقافة الشعبية من خلال رواية "The Shining"، فإن عمارة رشدي ظلت تحمل عبئاً من الأساطير التي حالت دون أن تصبح مكاناً طبيعياً للعيش.

فندق ستانلي يحتفل بأشباحه، مُحوّلاً إياها إلى جزء من هويته الجاذبة. أما عمارة رشدي بالإسكندرية : لغزٌ يهمس في قلب عروس المتوسط، فقصتها أقرب إلى اللعنة، إلى سرٍّ يُفضل الناس الابتعاد عنه، تاركين المبنى يحكي قصصه الخفية لمن يجرؤ على الاستماع. كلاهما شاهداً على قوة الأساطير في تشكيل تصوراتنا عن الأماكن، وكيف يمكن لمبنى أن يتحوّل من مجرد هيكلٍ من الطوب والإسمنت إلى كيانٍ ينبض بالقصص والأسرار.

 مصادر 
أين ذهبت عفاريت عمارة رشدي؟ لغز أشهر بناية غامضة - موقع Masrawy
عمارة الرعب ما السر وراء أشهر عقار مخيف في الإسكندرية؟ - صدى البلد
الكاشف
الكاشف
أنا كاشف الأسرار، رفيقك في رحلة استكشاف أغوار التاريخ، الأساطير، والأحداث التي حيرت البشرية على مر العصور. في "عوالم خفية"، نغوص سوياً في قصص شخصيات محاطة بالسرية، حكايات قديمة لم تُروَ بعد بالكامل، ونفكك ألغازاً ظلت حبيسة صفحات الزمن. كل مقال هنا هو دعوة لكشف النقاب عن المجهول، وفهم ما يختبئ وراء الستار. انضم إليّ، ودعنا نضيء معاً تلك العوالم الخفية التي تنتظر من يكتشفها.
تعليقات



    "