المادة المظلمة والطاقة المظلمة..
هل تخيلت يومًا أن الكون الذي نعرفه ليس سوى جزء صغير مما هو موجود بالفعل؟ إنها ليست قصة خيال علمي، بل هي حقيقة علمية مدعومة بملاحظات فلكية دقيقة. يتفق العلماء اليوم على أن معظم الكون يتكون من كيانين غامضين لا يمكن رؤيتهما أو لمسهما: المادة والطاقة المظلمة.
![]() |
المادة والطاقة المظلمة |
هاتان القوتان الخفيتان هما المحركان الرئيسيان وراء الشكل الحالي للكون وتوسعه المتسارع، ومع ذلك، لا تزال طبيعتهما الحقيقية لغزًا محيرًا يثير شغف العلماء.
المادة المظلمة : الغراء الكوني غير المرئي..
لنفهم أهمية المادة المظلمة، دعنا ننظر إلى المجرات. عندما يراقب الفلكيون حركة النجوم داخل المجرات، يجدون أنها تدور بسرعة أكبر بكثير مما يجب أن تكون عليه بناءً على كمية المادة المرئية التي تحتويها.
هذا أشبه بمجموعة من الأطفال يدورون حول مركز وهمي بسرعة جنونية دون أن يتطايروا! التفسير الوحيد لهذه الظاهرة هو وجود كتلة إضافية هائلة غير مرئية تمسك بالمجرة معًا بفعل الجاذبية. هذه الكتلة الخفية هي ما نسميه المادة المظلمة.
تُشكل المادة المظلمة حوالي 27% من إجمالي كتلة وطاقة الكون، وهي لا تتفاعل مع الضوء أو أي شكل آخر من الإشعاع الكهرومغناطيسي، وهذا هو سبب "ظلامها" وعدم قدرتنا على رؤيتها مباشرة.
تأثيرها الوحيد الملحوظ هو من خلال جاذبيتها. يعتقد العلماء أنها تتكون من نوع جديد من الجسيمات لم نكتشفها بعد، جسيمات "WIMPs" (Weakly Interacting Massive Particles) هي المرشح الأبرز لهذه المادة الغامضة.
الطاقة المظلمة : قوة الدفع الكونية الغامضة..
إذا كانت المادة المظلمة تمثل "الغراء" الذي يجمع المجرات معًا، فإن الطاقة المظلمة هي "القوة الدافعة" التي تباعدها عن بعضها البعض.
في أواخر التسعينيات، اكتشف الفلكيون أن الكون لا يتوسع فحسب، بل إن معدل تمدده يتسارع باستمرار! كان هذا الاكتشاف صادمًا للجميع، حيث كان الاعتقاد السائد أن الجاذبية ستبطئ هذا التوسع بمرور الوقت.
لشرح هذا التسارع الغامض، افترض العلماء وجود قوة جديدة تملأ الفضاء وتعمل كضغط سلبي، تدفع الكون للتوسع بوتيرة متزايدة. هذه القوة هي الطاقة المظلمة، التي تُشكل النسبة الأكبر من مكونات الكون، حوالي 68%.
على عكس المادة المظلمة التي تتركز في هالات حول المجرات، يُعتقد أن الطاقة المظلمة منتشرة بالتساوي في جميع أنحاء الفضاء. طبيعتها لا تزال محيرة، وهناك العديد من النظريات التي تحاول تفسيرها، مثل "الثابت الكوني" لأينشتاين أو "جوهر الطاقة" (Quintessence).
ما وراء حدودنا المرئية..
تخيل للحظة أن هذا الكون الذي نعيش فيه ليس سوى واحد من بين أكوان متعددة لا حصر لها، كما ناقشنا في مقالنا السابق 👈 الكون المتعدة.
إذا كانت المادة المظلمة والطاقة المظلمة تشكلان الجزء الأكبر من كوننا، فهل يمكن أن تكون هذه الظواهر الغامضة مختلفة تمامًا في أكوان أخرى؟.
ربما في كون موازٍ، تكون القوى المظلمة أقل أو أكثر هيمنة، مما يؤدي إلى أكوان ذات خصائص فيزيائية مختلفة تمامًا، بعضها قد يتوسع بسرعة جنونية لدرجة أنه يتشتت، وبعضها قد ينهار على نفسه بسبب الجاذبية المظلمة الهائلة. هذه الأفكار تفتح الباب أمام احتمالات لا حصر لها، وتجعل البحث عن طبيعة المادة والطاقة المظلمة أكثر إثارة.
تحديات البحث عن المجهول..
تعتبر المادة والطاقة المظلمة من أكبر التحديات في الفيزياء الفلكية الحديثة. يسعى العلماء في جميع أنحاء العالم إلى الكشف عن أسرارهما من خلال عدة طرق :
- الكشف المباشر : محاولة الكشف عن جسيمات المادة المظلمة في المختبرات تحت الأرض، بعيدًا عن تداخل الإشعاعات الكونية.
- الكشف غير المباشر : البحث عن الآثار التي تتركها المادة المظلمة عند تفاعلها (إن وجدت) مع المادة العادية، مثل انبعاث أشعة جاما.
- الدراسات الكونية : تحليل خرائط توزيع المجرات، وأشعة الخلفية الكونية الميكروية، وتأثيرات عدسة الجاذبية، لفهم كيفية تأثير المادة والطاقة المظلمة على بنية الكون.
إن رحلة الكشف عن المادة والطاقة المظلمة : ألغاز الكون.. لا تزال في بدايتها، وهي تعد بمستقبل مليء بالاكتشافات التي قد تُغير فهمنا للكون بشكل جذري. كلما تعمقنا في هذه الألغاز، اقتربنا أكثر من كشف النقاب عن البنية الحقيقية للوجود وما يخبئه لنا الفضاء الشاسع من أسرار.
مصادر
cfa.harvard - dark energy and dark matter
دراسة : الكون لا يحتوي على "المادة المظلمة" - الجزيرة نت
science nasa - dark matter
رأيك يهمنا, شارك في إرتقاء الموقع...