المنزل المهجور..
اسمي ليلى، ولطالما كنتُ فتاة تعشق المغامرة. بالنسبة لي، كان العالم عبارة عن كتاب مفتوح مليء بالأسرار التي تنتظر من يكتشفها. كان شغفي بالمجهول يقودني إلى أماكن لا يجرؤ الكثيرون على الاقتراب منها، ومن ضمنها كان ذلك المنزل المهجور الذي يقع على أطراف مدينتنا.
![]() |
المنزل المهجور |
كانت الأقاويل تتردد حوله، قصصٌ عن أصوات بكاء خافتة تأتي من الداخل ليلاً، ووقائع غريبة تحدث للناس في محيطه. لكنني لم أعر هذه التحذيرات أي اهتمام، فالغموض كان دائماً نداء لا يمكنني مقاومته. وفي ليلة من الليالي، قررت أن أقطع الشك باليقين، ودخلت المنزل بمصباحي اليدوي.
المنزل المهجور : قرقعة الأواني ووجهٌ شاحب..
كانت الأجواء داخل المنزل المهجور موحشة للغاية، رائحة الغبار العتيق تملأ الهواء، والظلام يخيم على كل زاوية. كان المنزل يهمس بقصصه الماضية في صمت مخيف.
وفجأة، كسر الصمت صوتٌ غريب، صوت يشبه قرقعة الأواني في المطبخ. في البداية، حاولت أن أتجاهل الأمر، وأقنعت نفسي أنه مجرد فأر أو أن قطعة ما قد سقطت.
لكن الصوت تكرر، أكثر من مرة، وبإيقاع لم يكن عشوائياً. شعرت بنبضات قلبي تتسارع، وأنا أدرك أن الأمر ليس عادياً. قررت أن أتحقق من مصدر الصوت، وأن أضع حداً لخوفي من المجهول.
توجهت ببطء نحو المطبخ، كل خطوة كنت أخطوها كانت تُسمع صدى لها في الممرات المظلمة. عندما وصلت إلى الباب، تجمدت في مكاني. رأيت انعكاسي على زجاج الباب، لكن لم يكن انعكاسي هو الوحيد الذي ظهر. كان هناك وجه آخر خلفي، وجه شاحب بعينين فارغتين، يحدق بي من خلفي.
شعرت أن جسدي قد شُلت حركته، لم أعد أستطيع التفكير أو حتى الصراخ. كانت عيناي مثبتتين على الانعكاس، ورفعت يدي ببطء لألمس وجهي، في محاولة يائسة لأتأكد من أنني لا أتخيل. وفي نفس اللحظة، رفعت اليد في الانعكاس أيضاً.
ابتسامةٌ مخيفة وصرخةٌ ليست ملكي..
كانت اللحظة الأكثر رعباً عندما رأيت أن اليد في الانعكاس كانت ترفع سكيناً! ثم بدأت ابتسامة عريضة تظهر على وجه ذلك الانعكاس، ابتسامة باردة ومخيفة. صرخت تلقائياً، واستدرت بسرعة لأواجه ما كان خلفي، لكن لم يكن هناك أي شيء.
كان الظلام فقط يحيط بي في صمت. عدت لأنظر إلى الانعكاس على الزجاج، والدهشة تملأ وجهي، لكن الابتسامة لم تختفِ. بل بدأت تتسع وتتسع، حتى انشق وجهي في الانعكاس إلى نصفين.
شعرت بيد باردة تمسك ذراعي. نظرت إلى ذراعي، ووجدت أنها يدي أنا، لكنها كانت شاحبة، كأنها يد جثة. وفي تلك اللحظة، سمعت صوت صرخة. كانت صرخة مرعبة، لكنها لم تخرج من فمي. كانت تأتي من خلفي، وهي تشبه صوت صرختي تماماً.
استطعت أخيراً أن أتحكم في جسدي، وبدأت أركض. ركضت بأقصى سرعة ممكنة، ويدي الباردة لا تزال ممسكة بذراعي. وفي كل خطوة كنت أخطوها، كنت أسمع صرختي تتردد في أرجاء المنزل المهجور، حتى وصلت أخيراً إلى الباب الأمامي وخرجت من هذا الجحيم.
لم أتوقف عن الركض حتى وصلت إلى منزلي. كنت ألهث من الخوف والإرهاق، وعقلي لا يزال يستوعب ما حدث.
الخوف يتبعني إلى منزلي..
في نفس الليلة، استلقيت على سريري، أحاول أن أنسى ما حدث. أغمضت عيني، لكن الصور المرعبة بقيت في ذهني. وفجأة، سمعت صوتاً خافتاً يهمس باسمي. فتحت عيني ببطء، ووجدت وجهي في المرآة المقابلة لسريري. كان وجهي هو نفسه، لكنه لم يكن يبتسم. بل كان يضحك، ضحكة خافتة ومرعبة.
أيقنت في تلك اللحظة أن الكيان لم يتركني في المنزل المهجور، بل تبعني إلى منزلي. صرخت بأعلى صوتي، فأتت والدتي بسرعة إلى الغرفة ووجدتني في حالة من الذعر. قرأت علي القرآن الكريم حتى استكانت روحي قليلاً، ثم سردت لها كل ما حدث. لامتها على تهوري، ثم قامت بفعل لم أتوقعه. أزالت كل المرايا والزجاج من المنزل، خشية أن يظهر ذلك الكيان مرة أخرى ويؤذيني. واليوم، أعيش في منزل بلا مرايا، مع خوف دائم من أن أرى انعكاساً لم يعد ملكي وحدي.
رأيك يهمنا, شارك في إرتقاء الموقع...